كيف ستتعامل تركيا مع المعارضين المصريين وعلى رأسهم قادة جماعة الإخوان المسلمين المقيمون على أرضها؟وجدي غنيم بدايةٌ أم استثناء؟

مشوار: بإعلان الداعية المصري الإخواني الشيخ وجدي غنيم رفض تركيا منحه جنسيتها أو حتى إقامة على أراضيها رغم وجوده هناك منذ تسع سنوات بالتمام، يكون باب التكهنات قد تم فتحه على مصراعيه فيما يتعلق بملف المعارضين المصريين المقيمين في تركيا، وعلى رأسهم المعارضون المحسوبون على جماعة الإخوان المسلمين.
أسئلة عديدة فرضت نفسها، منها:
كيف ستتعامل الدولة التركية مع هذا الملف؟ وعلى أي أساس ستكون المعاملة:
على الأسس الأخلاقية أم على المصالح السياسية؟
وهل تستغل القاهرة رغبة الأتراك في التقارب وتطالب بتسليم المعارضين لها؟ وهل يستجيب أردوغان؟
وفي حال حسمت تركيا أمرها ورحلت معارضي الإخوان أي أرض ستسعهم؟
المفكر والباحث المصري المتخصص في الشأن التركي د.كمال حبيب يصف أردوغان بأنه ابن الدولة التركية المتصالح مع فكرة علمنيتها وفكرة أن لها طابعا قوميا.
ويضيف لـ”رأي اليوم” أن أردوغان يمثل تيار اليمين الوسط، مشيرا إلى وجود نزعات في تركيا ذات طابع قومي متطرف مثل حلف “الأجداد” الرافض لفكرة وجود لاجئين في تركيا.
ويوضح “حبيب” أن السياسة التركية في طبيعتها- يمينا ويسارا- تنزع إلى تيار الوسط.
ويلفت إلى أن أردوغان تقلّب في السياسة منذ أن كان طالبا في الجامعة، وكان ضمن الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين، وعضوا في حزب الرفاه ذي التوجه الإسلامي المعادي لإسرائيل والغرب، إلى أن أسس حزب ” العدالة والتنمية ” وانتمى إلى ما سمّاه” الديمقراطية المحافظة” التي تقوم على فكرة التوفيق وفكرة العقلانية والتوفيق بين الإسلام والحداثة ويشير حبيب إلى أن أردوغان لديه نزعة سلطانية، لافتاً إلى أنه يذكّره بالسلطان سليم الأول في تعقبه لمخالفيه.
وعن العلاقة مع الإخوان يقول حبيب إن الأتراك كانوا يظنون أن مصر ليس بها قوى سياسية إلا الإخوان، ولم ينتبهوا إلى بناء جسور مع القوى السياسية والاجتماعية المصرية الأخرى، ظنا منهم أن الإخوان هي القوة الوحيدة.
ووصف حبيب انفعال أردوغان بعد الإطاحة بمرسي بأنه انفعال عاطفي حين بكى، مشيرا إلى أن أردوغان لديه شعور قديم بالتعاطف مع الإخوان وإن لم يكن إخوانيا، ولا ضمن التنظيم الدولي.
وردا على سؤال عن توقعه أن يقدم أردوغان على إجراءات تضييق على المعارضين المصريين بعد التقارب المصري التركي، قال حبيب: “أردوغان ليس له عزيز، وسيحسن علاقاته بمصر على وجه الخصوص لأن مصر وتركيا أكثر بلدين شبها وروحا، وهو يؤمن بأن استغراقه في مشاكل الإقليم حمّله ما لا طاقة له به”.
وخلص حبيب إلى أن أردوغان يميز بين المعارضين المصريين، مشيرا إلى أن الداعية المصري الشيخ وجدي غنيم مصنّف لدى الأتراك بأنه متشدد، وسبق إخراجه من قطر.
وقال إن من الممكن أن تتخذ تركيا إجراءات ضد من تعتبرهم جهاديين متشددين، ولن تسمح بوجودهم هناك، مشيرا إلى أن سبب ذلك محاولة خطب ود مصر من جانب، وحرصا على عدم انتقال عدوى التشدد إلى أبنائها.
ولفت إلى أن غالبية الشعب التركي تغلب عليهم الروح الصوفية والأشاعرية، مشيرا إلى أن الإسلام التركي إسلام مشارك وليس مواجها بمعنى أنه قد يختلف مع الدولة ولكن على قاعدتها ولا يزعم مثلا أن الدولة كافرة أو يغلب عليها الجاهلية كما قال سيد قطب مثلا.
وأنهى حبيب مؤكدا أن الطبيعة الثقافية التركية القائمة على فكرة التوفيق بشكل عام، وعلى فكرة قبول الآخر والتسامح تم اكتسابها من الدولة العثمانية ومن الدولة “الكمالية”، لافتا إلى أن أردوغان يميّز بين المعارضين المصريين الموجودين في تركيا، ويؤمن بأنهم ليسوا سواء، ويشعر بمسؤولية أخلاقية تجاه بعضهم، ويعتبرهم لاجئين سياسيين لهم حقوق شريطة أن يلتزموا بالقواعد التي وضعتها الدولة التركية.
أردوغان والإخوان
في ذات السياق يرى المحلل السياسي د. عمرو الشوبكي أنه لا يمكن إسقاط الواقع المصري على التجربة التركية، والنظر إلي الانتخابات التي أجريت بعيون واقعنا وخبرتنا، مشيرا إلى أن هناك من تصور أن أردوغان “إخوان”.
وأضاف أن الحقيقة أنهم كانوا أحد الأدوات التي استخدمها للحضور والنفوذ في العالم العربي، وحين اكتشف أنهم ورقة غير رابحة تراجع عن دعمهم أو على الأقل لم يعد يعتبرهم ورقة رابحة.
وقال الشوبكي إن حزب أردوغان “العدالة والتنمية” حزب مدني محافظ وليس جماعة دينية، ولم يدع في أي مرحلة لتطبيق الشريعة الإسلامية ويؤمن بالعلمانية المحايدة التي تقبل الدين في المجال العام ولا تعتبرها “رجس من عمل الشيطان”.
وخلص إلى أن النجاح في تركيا هو للجمهورية التركية التي أسسها أتاتورك منذ مائة عام، مشيرا إلى أنها وضعت أسس مدنية قبلها الجميع بما فيهم أردوغان وغيره، واكتشف كثيرون ولو متأخرين أن تجربة أردوغان “مش إخوان” والبلد في مكان آخر تماما.
واختتم مؤكدا أنه يحسب لأردوغان إنجازات وإصلاحات كثيرة، كما يؤخذ عليه إخفاقات أخرى.
وجوه أردوغان
من جهته قال الكاتب الصحفي سليمان جودة إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يستطيع التخلى كاملًا عن وجهه الإخوانى، حتى ولو كان قد ارتداه لأسباب عملية خالصة في حينه، مشيرا إلى أن هناك إرثا من هذا الوجه تظل بقاياه في الأعماق، مهما قال أردوغان إنه وضع وجهًا متصالحًا في مكانه، ومهما حاول دفع هذا الوجه جانبًا ليفسح مجالًا للوجه الجديد المتصالح.
وأضاف جودة أن أردوغان لن يستطيع التخلى عن الوجه الجديد المتصالح، لأن الرجل يدرك أنه لا بديل أمامه سوى طريق المصالحة مع الجوار من حوله، ولا في إمكانه أن يخفف الضغط على الليرة أمام الدولار، إلا بأن تكون له أكثر من يدين اثنتين، فيمد واحدة إلى الإمارات، ثم يمد يدًا أخرى إلى الرياض بعد مرحلة من التوتر معها لم تكن سرًا،
وأخيرًا يمد يدًا ثالثة إلى القاهرة، بعد أن كان قد جاء عليه وقت كان يعاديها فيه في كل مكان، وفى كل مناسبة، ومن فوق كل منصة كان يجد نفسه عليها.
وتوقع جودة أن أردوغان سيعود بالوجه المتصالح الذي يرغب في طى ما كان من صفحات خلاف، ولكن هذا لن ينفى أن خلف هذا الوجه وجهين اثنين في الخلفية من بعيد.
أي أرض ستسعهم؟
بعض المراقبين ذهب إلى أن جماعة الإخوان بدأت فعليا في نقل بعض أموالها إلى أفريقيا، وتقدم بعضهم للحصول على الجنسية في بعض الدول الأفريقية؛ لأنها وجدت أنه بعد التقارب بين مصر وتركيا لن تكون “أنقرة” الملاذ الآمن لهم كما كان في السابق.
راي اليوم