أدب الأسرى : ” خلل طفيف في السفرجل “ – جريدة مشوار ميديا
أدب

أدب الأسرى : ” خلل طفيف في السفرجل “

عادل الأسطة
قرأت في الأشهر الأخيرة ستة كتب لأسرى يقبعون في السجون الإسرائيلية ، فقد حكموا عقودا أنفقوا قسما منها لا يقل عن عقدين . الأسرى هم وليد دقة ” حكاية سر الزيت ” وكميل أبو حنيش ” الجهة السابعة ” وباسم الخندقجي ” قناع بلون السماء ” وعنان الشلبي ” رنين القيد ” وأحمد العارضة ” خلل طفيف في السفرجل ” ومجموعة شهادات لمجموعة أسرى تحت عنوان ” الكتابة على ضوء شمعة ” .
تنتمي الأعمال إلى أجناس أدبية هي الحكاية ( للفتيان / دقة ) والرواية ( أبو حنيش والخندقجي ) والشعر ( العارضة ) والنصوص( الشلبي ) والشهادة الأدبية .
شغل عالم السجن حيزا من الكتابة ، فقد كتب قسم من المذكورة أسماؤهم في موضوعات مثل الحب والموت ، خارجا من عالم السجن وجدرانه ، وفي أعمال سابقة لقسم من هؤلاء تم اللجوء إلى التاريخ العربي .
يعد باسم أبرز من فعل ذلك ففي روايته ” مسك الكفاية ” استحضر هارون الرشيد وفي روايته ” قناع بلون السماء ” استحضر مريم المجدلية .
وأنا أتأمل الكتابات لاحظت أن قسما منها يصدر عن تجارب معيشة ، وآخر يخرج من رحم الكتب التي يقرؤها الأسرى ، ليغدو القسم الثاني ، بالدرجة الأولى ” كتابة على الكتابة ” . كأنما شعر أصحابها بأن اقتصار كتابتهم عن عالم السجن وما يتعلق به صارت تكرارا لا بد من الخروج عنه ، فالأدب واقع وخيال ، وإذا كنا غير قادرين على الخروج من السجن في الواقع ، وإذا كان قدرنا لعقود ، فلنخرج منه بقوة الخيال ، وكنت كتبت عن رواية كميل ” الجهة السابعة ” . لا بد من جهة سابعة إن أحكم الحصار شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وأرضا وسماء ، والكتابة قد تكون المخرج ، علما بأن أحمد شوقي قال :
” ولو أن الجهات خلقن سبعا
لكان الموت سابعة الجهات ” .
الكتابة والخيال ، وقبلهما الأمل والإيمان ، قد تمد الأسير بشحنات تجعله قادرا على مواصلة الحياة ، فلا تدفع به إلى اليأس فالانتحار .
مثل روايات باسم التي اتكأ في كتابتها على الكتب ، و ” قناع بلون السماء ” مثال لها حيث كان في مخيلة الكاتب وهو يكتبها كتب العهد القديم ورواية ( دان براون ) ” شفرة دافنشي ” ورواية إلياس خوري ” أولاد الغيتو : اسمي آدم ونجمة البحر ” ، مثل رواية باسم يبدو لي ديوان أحمد ” خلل طفيف في السفرجل ” ( ٢٠٢٢ ) . صحيح أنه يأتي فيه على عوالم يعيشها ولكن قسما لا بأس به من القصائد بدا خارجا من أشعار مظفر النواب ومحمود درويش ؛ لغة وتعابير وبناء أيضا ، لدرجة أنني شعرت أحيانا أنني أقرأ للشاعرين المذكورين ، ولدرجة أنه ترسخ لدي شبه قناعة بأنهما أكثر شاعرين قرأهما أحمد وتأثر بهما ، وأن كتابته خرجت في قسم منها من رحم أشعارهما ، فالكتابة عن الغربة والمنفى كتابة رئيسة في شعرهما ، وهي صادرة عن تجربة مرا بها وتشرباها حتى النخاع ، ولا أظن أن تجربة أحمد الذي قضى عقدين في السجن عاش المنفى والغربة إلا إذا توسعنا في فهم تجربة السجن واعتبرناها شكلا من أشكال المنفى والغربة ، ولا أريد أن اقتبس من ” يوميات جرح فلسطيني ” لمحمود درويش سوى سطر ” نحن في لحم بلادي هي فينا ” .
وأنا أقرأ قصيدتي ” ليل .. وغربة و ” يا كل الأشجار ” كأنما كنت أقرأ قصيدتي مظفر ” قراءة في دفتر المطر ” و ” وتريات ليلية ” . خذوا هذا المقطع من ” يا كل الأشجار ” مثالا :
” يا كل الأشجار
أريد امرأة أسكنها – تؤويني
ما عاد هنالك في قلبي متسع للسكنى
ما عاد هناك مكان
إلا لامرأة تخلقني …
أريد امرأة واحدة
تصوغ ملامح أرضي في إصبعها .
يا كل الأشجار أريد ملاذا للإنسان
يا كل الأشجار أنا وطن وحدي
لكن
ما من ورد زهري في الغربة
يملأ أرصفتي
يا كل الأشجار أنا أرصفة خاوية
جرداء بلا أنثى .. ” .
وأقرأوا أسطر مظفر :
” فأين امرأة توقد كل قناديلي
و
قد أعشق ألف امرأة في ذات اللحظة ، لكني أعشق وجه امرأة واحدة في تلك اللحظة من بلدي
امرأة تحمل خبزا ودموعا من بلدي
و
يا أي امرأة في الليل تداس كسلة تمر بالأقدام
تعالي فلكل امرأة جسدي
و
أنقذ مطلقك الكامن في الإنسان “
والأمثلة كثيرة . أما حضور محمود درويش فواضح وضوحا تاما .
أول ما لفت نظري في الديوان هو عنوانه ” خلل طفيف في السفرجل ” . لقد استحضرت المفردتان ” خلل ” و ” السفرجل ” في ذهني مقطعا من ديوان درويش ” حالة حصار ” يتحدث فيه عن خسائرنا الكثيرة ومنها ” الخلل البنيوي الذي سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة ” وأسطرا من ديوان ” أعراس ” . في قصيدة ” أحمد الزعتر ” نقرأ :
” أكلما نهدت سفرجلة نسيت حدود قلبي “
وفي قصيدة ” الأرض ” نقرأ :
” ولدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
كيف تفرين من سبلي يا ظلال السفرجل ” .
إن مدلول السفرجل الرمزي لدى أحمد لا يختلف عنه لدى درويش ، وأظنه أخذه منه ، وعدا هذا الدال فإن هناك مفردات شعرية وصيغا لغوية كثيرة استخدمها درويش في قصائده وصارت تشكل قاموسا له ، وردت في قصائد أحمد ويمكن ذكرها ” المسربل بالندى ” خذلان الغريبة ” صباح الياسمين ” ” من أين يأتيني السفرجل في القصيدة ” ، وأكثر مما سبق فإن شكل القصيدة التي حملت عنوان الديوان ، وبناءها – القصيدة اللولبية – تحيلنا إلى قصائد كثيرة لدرويش اتخذت هذا الشكل .
هذا الوقوع تحت تأثير النواب ودرويش دفعني إلى إعادة قراءة بعض قصائد السجناء التي كتبت في ٨٠ القرن ٢٠ ، واخترت قصائد من أشعار خليل توما ” أغنيات الليالي الأخيرة ” و ” نحمة فوق بيت لحم ” ومن أشعار محمد عبد السلام ” خواطر من الزنزانة ” لكي أقارن بين شعر لم يقع أصحابه تحت تأثير شاعر آخر وسطوته وشعر تشرب كاتبه شعر شاعر آخر ووقع تحت سطوته . ثمة فارق ملموس في التعبير عن التجربة وفي أسلوب التعبير أيضا . البساطة والوضوح والتعبير المباشر كانت سمة الشعر الأول ، فيما اللجوء إلى استعارة تجربة الآخر وأسلوبه الذي يلجأ فيه إلى الابتعاد عن البساطة والمباشرة وتوظيف الكلمات توظيفا مجازيا تبدو سمة الشعر الثاني . وسيتساءل كثيرون عندما يقرأون العنوان عن مدلوله حقا .
ومع أن مدلول السفرجل بدا لي منكشفا من قراءة القصيدة إلا أن هذا لم يحل بيني وبين الرجوع إلى البحث عن المدلول الرمزي لها وما تعنيه في ثقافتنا الشعبية .
” شبابنا كلهم ملاح زي السفرجل عاقد ع التفاح “
” شو أتذكر منك يا سفرجل كل عضة بعضة “
‘ زي نوار السفرجل من كل ١٠٠ بتعقد حبة ” .
وليس بخاف على أحد أن مدلول السفرجل في الأولى إيجابي وفي المثلين سلبي .
بقي أن أشير إلى أن موقف القاريء من أشعار أحمد يعتمد على ذائقته الشعرية وموقفه من قصيدة الحداثة .
الخميس ١١ / ٥ / ٢٠٢٣
( ملاحظة :
كتب هذا المقال للمشاركة في ندوة كان من المقرر أن تعقد في مركز يافا في مخيم بلاطة في يوم ١٣ / ٥ / ٢٠٢٣ ، ولكن استشهاد شابين من مخيم بلاطة إثر اقتحامه من القوات الإسرائيلية حال دون إقامة الندوة ) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

We use cookies to give you the best online experience. By agreeing you accept the use of cookies in accordance with our cookie policy.

Privacy Settings saved!
Privacy Settings

When you visit any web site, it may store or retrieve information on your browser, mostly in the form of cookies. Control your personal Cookie Services here.

These cookies are necessary for the website to function and cannot be switched off in our systems.

In order to use this website we use the following technically required cookies
  • wordpress_test_cookie
  • wordpress_logged_in_
  • wordpress_sec

We track anonymized user information to improve our website and build better user experience.

Decline all Services
Accept all Services