في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.. كلام صريح فلتتسع صدوركم – جريدة مشوار ميديا
مقالات

في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.. كلام صريح فلتتسع صدوركم

كمال خلف
انها حقبة لثورة فلسطينية معاصرة انتهت نعم انتهت بكل اسف ، وما بقي منها هياكل وأوابد وذكريات مجيدة لايام وشهداء ورجال شجعان ومعارك ومحطات كتب بدايتها التاريخ العربي في الأول من يناير كانون الثاني العام ١٩٦٥ يوم الرصاصة الأولى في مشروع تحرري كبير وواسع الانتشار والطموح ، شكل امل لاجيال من الشعب العربي ، ومصدر عز وافتخار . واذا كان ذاك التاريخ من العام ١٩٦٥ يوم البدء ، الا ان تلك اللحظـة تبلورت بعد تحولات ومخاضات صعبة وعسيرة منذ العام ١٩٤٨ . ولا تأتي اللحظة التاريخية من تلقاء ذاتها ، وانما تصنعها السياقات والظروف والاحداث والتحديات في مراحل زمنية مختلفة .
انتهت تلك الحقبة اليوم بصمت جنائزي دون ورقة نعوة رسمية او اعلان وفاة ، بعد ان ملأت تلك الثورة البلاد العربية صخبا من الأردن الى لبنان وسورية الى عمق الأرض المحتلة ، ومن اقصى البلاد العربية كانت جحافل من الرجال الشجعان الطيبين والبسطاء تنخرط في صفوف الثورة ، حاملة شارات النصر والكوفية وباذلة الدماء بسخاء من اجل قضية عادلة . ورغم انتهاء تلك الحقبة ، فان المقاومة المسلحة لم تنته واخذت شكلا اخر مختلف ، انحصر في بقعة جغرافية صغيرة ، والشعب الفلسطيني لم يسقط الراية ولم يستسلم بكل اشكال المقاومة الشعبية .
و مع افول حقبة فان الواقع الفلسطيني بات على الصورة التالية : في غزة كتائب القسام تدافع عن الشعب الأعزل المحاصر ، بما لديها من إمكانات ، اما الجناح السياسي للحركة فقد اعياه الواقع العربي والانقسام الفلسطيني والعربي . والتجاذبات في الإقليم ، ووقع على اثر ذلك في ازمة خيارات ، وارباك في تقدير الموقف ومراكمة للاخطاء ولا مجال لتعدداها وما اكثرها .
الجهاد الإسلامي، جناحها العسكري “سرايا القدس” كما القسام للدفاع عن النفس ورد العدوان عن غزة، وجناحها السياسي يطلق مواقف ثابتة ومبدئية لا تغيير ولا تبديل فيها ، دون طموح الانتشار الشعبي وتوسيع حجم الدور السياسي مع الحرص على الانسجام مع حماس من اجل وحدة الموقف والصف. خارج القطاع في الضفة والقدس والأرض المحتلة عام 48 اخذ الشعب بشكل فردي على عاتقه الدفاع عن نفسه، وعن ارضه وحقوقه ، بكل الاشكال البدائية.
اما فتح التاريخ والاصل والحكاية ، فقد باتت أسيرة خيارات السلطة، تبرر اعمالها وتجد الاعذار لاخطائها وخطاياها ، تستخدم التاريخ المشرف لستر عورات الحاضر المؤسف، تخلت عن الكفاح المسلح الذي اطلقته، ولم تحصل على السلام الذي ركضت وراءه، ولا تستطيع الرجوع او التقدم.. باقي الفصائل تكلست وتقلصت ولا تقوى الا على كتابة البيانات التي لا تجد صدى او اهتمام من الشعب . ومازال الحديث من سنوات طويلة دائرا عن المصالحة الفلسطينية بين الفصائل، وإصلاح منظمة التحرير، والمجلس الوطني، والمجلس المركزي ، واللجنة التنفيذية ، والمجلس التشريعي ، والاطار القيادي، الخ . هذه الحلقة المفرغة وطاحونة الهواء سئم منها الشعب الفلسطيني ، ولم تعد تعني له شيئا ، وبات الكل يعرف انها إضاعة للوقت، وكلام على لوح ثلج ، واتفاقات مثل فقاعة الصابون ، وطحن من غير طحين ، وكلام فارغ. ما قيمة كل الجهود والحوارات والانتقال بين العواصم ، والاجتماعات ، والصياغات ، والبيانات، ونقاط التوافق، والقواسم المشتركة، اذا كان حسين الشيخ في ثانية يمسح بها قفاه، بعد وجبة عشاء دسمة على طاولة الإسرائيلي.
لقد أغلقت حقبة كاملة نعم.. ودخلت فلسطين القضية في مخاض جديد وسياقات جديدة وبقي الشعب على ارضه يكافح دون مشروع او قيادة ..يدافع عن وجوده وحقوقه وسط عالم ظالم ، سيدين نفسه يوما ، ويجرم كل قادته الذين صمتوا او دعموا الاحتلال بشكله العنصري الاجرامي البغيض . وسوف يعترفون يوما انهم اجرموا بحق الإنسانية في قضية شعب شرد وهجر من ارضه ومورس ضده كل اشكال القتل والاجرام والعنصرية والظلم و هذه النتيجة حتمية طال الزمن ام قصر.
اما الفلسطينيون في الخارج فقد طحنوا طحنا في الحروب داخل الدول وعليها. في العراق بعد الغزو الأمريكي، وفي سورية اثناء عشر سنوات من حرب مركبة داخلية وخارجية ، وفي لبنان حيث دفعوا ثمن الكيانات الطائفية وحساباتها الديمغرافية والصراع بين الطوائف ، وفي الخليج دفعوا ثمن قرار حكامه التحالف مع إسرائيل وما تطلبه ذلك من تجريم للفلسطيني وتشويه تاريخه وسمعته والتهكم على مظلوميته ، وفي ليبيا زمن القذافي بعد اسلو وبعد سقوطه ، وفي الكويت بعد غزو صدام ، وفي الأردن وفي مصر . وبات كل فلسطيني بفكر بالخلاص الفردي، والسفر الي دولة تمنحه حق المواطنة، ليعيش اطفاله بكرامة ، لا كما عاش هو منبوذ ومهمش يتجهم في وجهه رجال امن المطارات والحدود .وجد الفلسطيني في دول الغرب الام الحنون ، ووجدت فيه فرصة للقضاء على حق العودة ومشكلة المخيمات ، لتسهيل المهمة على إسرائيل . انها نهايات لبدايات أخرى .
انها نهاية حقبة في تاريخ النضال الفلسطيني ، وبداية تشكل أخرى على قواعد ستكون مختلفة تماما عن السبعين سنة الماضية . ان ما يحدث اليوم سيولد طاقات جديدة ، ،وسيفرض بدايات لتشكيل قوى واطر ثورية عصرية ، تلتقط حركة التاريخ وتتاقلم مع المتغيرات، وتستوعب الصدمات في البيئة السياسية العربية . لم يعد لدى الفلسطيني وهم الخطاب الملزم للعرب في اعتبار قضية فلسطين قضية الأنظمة العربية ، فقد انتهى زمن القضية العربية الاولى والمركزية. التواصل الشعبي العربي لا ينتهي لكن سيختلف في دوره ومضمونه كرافد ابدي للشعب الفلسطيني يضاف اليه البعد العالمي مع انتشار الفلسطينيين في اتجاهات الأرض الأربع . سقط اليوم الرهان على الجيوش العربية الزاحفة لتحرير فلسطين . اما الرهان على قوة محور المقاومة في الإقليم فيجب ان يكون من زاوية قدرة هذه القوى على اضعاف إسرائيل، تمهيدا لقيام وولادة مشروع فلسطيني جدي يستفيد من موازين القوى والتحولات .
لابد ان هرتزل فلسطيني في هذا العالم سوف يولد، ليعيد الشعب الفلسطيني المشرد والمقهور والمحترق في محارق الاخوة والاغراب الى ارضه التي هجر منها قسرا ، لا كما فعل هرتزل الصهيوني في تجميع شعوب وعصابات تحت يافطة الدين ليحلوا محل شعب على ارضه.
ان الموازين الدولية واختلالها والتغيرات في مراكز القوى العالمية بات أوضح اليوم . ونحن ندخل الي عالم مختلف طالما انتظرناه ، وانتظره اباؤنا واجدادنا من قبلنا ، ليعيد تشكيل الخرائط التي عبث بها المنتصرون في الحرب العالمية ، بدات اثار غنائم تلك الحرب بعد عقود من الزمن تتحرك ، صعودا لقوى وتراجعا لاخرى ، في العالم والاقليم ليدخل العالم مخاضا صعبا فيه من التحولات المنتظرة ما سوف يغير شكل الشرق الأوسط . والمشروع الصهيوني الذي قام على انقاض الحرب العالمية وغنائم المنتصرين في الحرب ، سوف يواجه تهديدا وجوديا . وعلينا ان نستعد لذلك في اطار بناء مشروع وطني فلسطيني جدي ، لا يقوم على ردات الفعل ، ولا علي العواطف ، والشعارات الحنجورية ، وان نعمل بشكل مدروس وفق معرفة ، وتجميع لكافة طاقات شعبنا وكفاءاته المنتشرة في كل مكان ، وان نلحظ نضالات وعذابات شعبنا الذي لم يستسلم وبقي صامدا رغم فداحة المراحل . انه وقت وضع نقطه في اخر السطر . انه وقت الانقضاض علي اليات الماضي واساليبه ، والبدء من جديد وفق رؤية جديدة . تطلق عنان هذا الشعب وتاتي بكل فرد فيه ليكون فاعلا في الطريق الجديد ، وما فيه من تحديات وتضحيات . علينا ان نبدا فعليا بالعمل علي انهاء مشروع دولة إسرائيل علي الأرض الفلسطينية ، وبناء وطننا القومي التاريخي على كل شبر فيه . ولا يكون لدينا أوهام الماضي برمي اليهود في البحر . رغم ان قادة إسرائيل رمونا بالبحر ومات أطفالنا وهم يعبرون المحيطات بحثا عن حياة كريمة . انما الهدف كسر المشروع الصهيوني علي ارض فلسطين ، وليعش شعبنا بكل اديانه يهود ومسيحيين ومسلمين وكل من ولد وعاش في فلسطين تحت حكم دولة ديمقراطية عصرية حرة ، اسمها دولة فلسطين يحكمها من هو الاقدر والاكفء في جعل حياة الناس اكثر رفاهية واستقرارا ، ويعيد الحقوق لاصحابها دون تمييز . ان انهاء هذا الكيان العنصري العدو للإنسانية والطبيعة ، والعبء على العالم بالاجرام المستمر ، يجب ان يكون مشروعنا القادم للحقبة المقبلة . انها دعوة مفتوحه من هذا العبد الفقير الى الله ، لكل من يستطيع ويقدر لتنظيم مؤتمر فلسطيني شعبي عام ، يحضره كل فلسطيني قادر على الوصول اليه من كل انحاء العالم . لاطلاق مشروع الوطن الفلسطيني ومستقبل ارض فلسطين . واطلاق موقف واحد موحد موجهة الى كل شعوب العالم ، يقول اننا بدانا وولدنا من جديد ، وعلى اكتافنا تاريخ من نضال شعبنا .
كاتب واعلامي فلسطيني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى