بعد عام على اغتياله.. لماذا كافأت سلطة رام الله قتلة نزار بنات وأفرجت عنهم؟

بعد مرور عام على جريمة اغتيال الناشط السياسي الفلسطيني نزار بنات، على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، ولا تزال الكثير من الأسئلة تبحث عن إجابات حول تفاصيل هذه القضية الغامضة التي هزت عرش مقر المقاطعة برام الله وأشعلت الانتقادات لسلوكها في التعامل مع “المعارضين” لسياستها.
السلطة الفلسطينية التي واجهت ولا زالت تواجه الكثير من الانتقادات لما جرى مع الناشط “بنات”، لم تكتفي بخطوات الدفاع عنها وعن تعامل أجهزتها الأمنية في القضية، أو محاولة امتصاص الغضب الفلسطيني المتصاعد من نتائج هذه القضية الحساسة، إلا إنها اتخذ قرارًا صادمًا أشعل الغضب الفلسطيني من جديد وأعاد القضية للتصدر المشهد السياسي.
القرار حين كافأت السلطة الفلسطينية المتهمين والمتورطين بقتل الناشط “نزار بنات” بالإفراج عنهم بشكل مُفاجئ، ليخضع الملف بأكمله لحسابات أخرى، تفتح باب التسويف والمماطلة واللعب بقرارات القضاء ومحاولات التستر على القتلة وطمس الحقيقة.
وبقرار رسمي صادر عن النائب العام العسكري في الضفة، تم الإفراج يوم الثلاثاء الماضي، عن 14 متهمًا في قضية اغتيال الناشط المعارض “بنات”، بشكل مؤقت ولغاية حتى تاريخ 2 يوليو/ تموز المقبل.
وتعرض “بنات” لعملية اغتيال بتاريخ 24/6/2021 عند الساعة الثالثة فجراً على أيدي عناصر قوة من جهاز الأمن الوقائي مكونة من أربعة عشر شخصاً، داخل منزل أحد أقربائه في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة.
وكان “بنات” ناشطاً سياسياً بارزاً، ومعارضا قوياً لسياسات السلطة في رام الله ونهجها التفاوضي، وكان مرشحاً لانتخابات المجلس التشريعي التي عطلها رئيس السلطة قبل أكثر من عام.
وتسببت عملية الاغتيال في موجة غضب شديدة في الشارع الفلسطيني أدت للمطالبة بإقالة قادة الأجهزة الأمنية وصولاً للهتاف ضد السلطة ورئيس الحكومة محمد اشتية، فيما قمعت الأجهزة الأمنية التظاهرات المنددة بالاغتيال.
واتهمت عائلة “بنات”، السلطة الفلسطينية باعتماد سياسة المماطلة والتسويف واللعب على عامل الزمن بعد انسحاب العائلة من ما أسمته بـ”المسرحية الهزلية السخيفة تحت مسمى محكمة”.
وقالت العائلة في بيان صحفي، إن قرار العائلة والهيئة الوطنية بالانسحاب من المحكمة قرار صائب وسليم، بعد أن ثبت مقدار التلاعب وعدم النزاهة والشفافية في إجراءاتها، وعدم وجود الإرادة القانونية في أحكام عادلة أو تنفيذ تلك الأحكام على كافه المستويات.
وطالبت القضاة بالانسحاب من المحكمة على اعتبار أنها “مسرحية” وحتى لا يكونوا شركاء في دماء نزار، داعين المجتمع الدولي لوقف تمويل المنظومة الأمنية والتي تثبت يوميا أنها تستخدم هذه الأموال ضد أبناء شعبنا تعذيبا وقتلا وتنكيلا .
وبالعودة لملف الإفراج المؤقت عن “قتلة” نزار الـ14، يقول عضو لجنة الحريات العامة بالضفة المحتلة خليل عساف، إن إصدار قرار بالإفراج المؤقت عن المتهمين بقتل “بنات”، بعد ضغوط خارجية عليا، يؤكد أن هذا القضاء هو “قضاء مؤتمر”.
وأضاف عساف، أن خضوع قرارات المحكمة لضغوط وتوجيهات خارجية، سيكون له الأثر السلبي على عملية سير العدالة وإعادة الحقوق وستنعكس على الناس والمجتمع، لافتًا إلى أن السبب الذي تتذرع به المحكمة العسكرية في إفراجها عن المتهمين باغتيال الناشط بنات فيه “استخفاف لعقول الناس” فإذا كان السبب “كورونا”، فماذا عن المئات من المعتقلين الآخرين الذين يقبعون في سجون السلطة.
ودعا إلى احترام القانون، وتنفيذ العدالة لإنصاف المظلومين ومعاقبة المجرمين، لضمان السلامة المجتمعية، وضمان حقوق الإنسان، آملاً أن يتم إحقاق الحقوق وردع المجرمين دون تسويف أو مماطلة.
في حين اعتبر مدير مؤسسة مساواة إبراهيم البرغوثي، القرار بالإفراج عن ١٤ متهمًا في قضية الناشط السياسي بنات، صادر عن جهة غير مختصة، وهو تجاوز صلاحيات المحكمة.
وقال البرغوثي: إن النائب العسكري غير مختص، أو مخول بإصدار قرار إخلاء سبيل المتهمين أو عدمه، مشيرًا إلى أن الدعوة بانتشار فيروس كورونا غير صحيح، متسائلًا: “هل قرار الإفراج بسبب انتشار كورونا ينطبق على جميع المعتقلين في جميع السجون؟!، وهل أخليت مراكز جميع مراكز التوقيف؟!”، لافتًا إلى أن المحكمة رفضت أمس، طلب محامي الدفاع بشأن إخلاء سبيل أحد أقارب “بنات”، أسوة بالإفراج عن المتهمين بجريمة القتل.
وأضاف: إن محامي الدفاع تقدم أول أمس، للمحكمة العسكرية بطلب إخلاء سبيل المتهمين وقوبل بالرفض، لافتًا إلى أن المحكمة ومؤسسة مساواة فوجئت بقرار الإفراج. وقتل المعارض السياسي بنات في 24 يونيو/ حزيران من العام الماضي خلال عملية اعتقاله والاعتداء عليه من قبل الأجهزة الأمنية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة.
من ناحيته، قال مركز “حماية” لحقوق الإنسان إن قرار النائب العام العسكري بمنح إجازة للموقوفين على ذمة جريمة قتل المغدور نزار بنات التفاف على العدالة وطعنة في خاصرتها ممن يمثل الادعاء والضحية أمام المحكمة.
وأشار بيان المركز إلى أن التذرع بوباء كورونا عقب انحسار الجائحة لا يقوى على أن يكون سبباً للإفراج عن الموقوفين، وكان الأجدى الإفراج عن المعتقلين السياسيين والمفرج عنهم بقرار من المحاكم، للتخفيف من الاكتظاظ داخل السجون.
وعبّر المركز الحقوقي عن خشيته من مدى جدية المحاكمة، في ظل توجيه لائحة اتهام لـ14 ضابطاً من قوات الأمن دون توجيه أي تهم لمسؤولين أمنيين رفيعي المستوى أجازوا العملية وأشرفوا عليها، وفي ظل مضايقات واعتقالات وتصرفات انتقامية من عائلة الضحية وأشقائه والشهود واقتحام منازلهم وتوجيه تهم وسوء معاملتهم أثناء الاحتجاز.
وطالب البيان بإعمال صحيح القانون وإعادة الموقوفين لمحبسهم، ووقف المضايقات والاعتقالات من عائلة الضحية، بما يعزز شعور سيادة القانون، وحيادية ونزاهة المحاكمة وفق معاييرها العادلة.
يشار إلى أن مدنا فلسطينية كانت شهدت تظاهرات حاشدة احتجاجا على اغتيال بنات مطالبين بكشف حقيقة وفاته، فيما قامت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع نحو المتظاهرين لتفريقهم.
كما نددت الولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية والأمم المتحدة وقتها بوفاة بنات، وسط مطالبات بـ”تحقيق كامل ومستقل وشفاف فورا”، وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية فتح تحقيق في وفاة بنات.