بالرغم من محاولات السلطة منعه واعتقال الناشط عمر عساف انطلاق فعاليات المؤتمر الشعبي الفلسطيني في الوطن المحتل وفي الشتات

انطلق المؤتمر الشعبي الفلسطيني، يوم السبت، في عدة مدن فلسطينية وعربية وأوروبية وأمريكية، بالتزامن، عبر تقنية «زووم». وحقق نجاحا باهرا بالرغم من محاولات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية منعه . وعقد المؤتمر في قاعة فندق غراند بلاس في غزة وعبر الربط الإلكتروني مع الشتات الفلسطيني في أماكن اللجوء في الأردن وسوريا ولبنان والولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وغيرها، والضفة الغربية جراء منع الأجهزة الأمنية انعقاده في قاعة مسرح بلدية رام الله، وذلك بمشاركة نحو 1500 شخصية من القيادات الوطنية والشخصيات الاعتبارية في الداخل والخارج.
وكانت الأجهزة الأمنية قد اعتقلت منسق المؤتمر عمر عساف، قبل ساعات من انعقاده، واحتجزته لعدة ساعات ثم أطلق سراحه واستطاع أن يلحق بالمؤتمر في نهاياته. وقد أصدر المؤتمر بيانا شديد اللهجة يُدين فيه اعتقال الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية منسق اللجنة التحضرية عمر عساف مباشرة بعد منع السلطة لانعقاد نسخة مُصغّرة من المؤتمر الشعبي في مدينة رام الله.
ما حصل وفقا للبيان يعزز الحاجة الوطنية لإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وبهدف إعادة الحيوية للنظام السياسي الفلسطيني وحفظ حقوقه وكرامة المواطن الفلسطيني بعيدا عن تسلّط الأجهزة الأمنية والتفرد بالقرار الوطني لا سيّما في ظل عقم مشروع التسوية..
ويبدو أن خطوة السلطة وأذرعها الأمنية احتياطية وتسعى لقتل فكرة تأسيس نظام سياسي جديد فلسطينيا على الأقل داخل الوطن المحتل. .
أخطر ما في إجراءات السلطة هنا أنها تحاول تقويض ما اتّفق عليه على هامش المشروع الجزائري تحديدا وبعد القمة العربية فيما خطوة السلطة هي بمثابة رسالة منها للأنظمة والأجهزة الأمنية في الدول العربية التي يوجد فيها مكونات فلسطينية أو روابط جمعيات وقرى تمثّل هذه المكونات مثل الأردن ومصر ولبنان والعراق.
ومن المُهم الإشارة إلى أن خطوة السلطة تسلط الضوء في الواقع إعلاميا وسياسيا على هذا المشروع الحيوي والمهم, وذلك في إطار صراع سياسي مبكر قد يعني الكثير لاحقا إذا ما دخلت مؤسسات الشتات الفلسطيني على مسار اختيار نظام سياسي بديل تحت لافتة إحياء منظمة التحرير بصورة شبابية أكثر وتجديد مؤسّساتها وإنقاذها من الشيخوخة التي يتحدّث عنها بيان المؤتمر الشعبي.
والمؤتمر هو فعالية شعبية تهدف إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية عبر إجراء انتخابات للمجلس الوطني.
وقال النائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة، إن الدعوة للمؤتمر الشعبي-14 مليون في رام الله، هي لإعادة التأكيد بأن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده».
ودعا خريشة في بيان، إلى عدم التسرع في ردود الأفعال تجاه المؤتمر، مضيفًا أنه يدعو لإجراء انتخابات للمجلس الوطني للفلسطينيين في المحتل عام ٤٨ وللمحتل عام ٦٧ وأيضًا للشتات الفلسطيني.
واعتبر أن هذا سينهي حالة الانقسام وستدخل كل القوى والتي هي خارج المنظمة إليها، وسينتخب المجلس اللجنة التنفيذية، والتي ستقوم بدورها بانتخاب رئيسًا للجنة، وهو سيكون رئيسا للشعب الفلسطيني، وينتخب المجلس مجلسًا مركزيًا وأيضاً مسؤول الصندوق القومي.
وخاطب من استنكر المؤتمر في إشارة الى السلطة وقيادة منظمة التحرير بالقول «السؤال لمن صدر بيان الاستنكار، هل في هذا التفاف على وحدانية التمثيل؟ وهل الدعوة للانتخابات تمس استقلالية القرار؟ وهل انهاء الانقسام بعيدًا عن لقاءات الحوارات الفاشلة في عواصم العالم، هو حديث عن البدائل».
وفي ختام أعمال المؤتمر الشعبي الفلسطيني، جرى الإعلان عن تشكيل هيئة توجيه وطني تضم 91 عضواً من الشخصيات الوطنية والاعتبارية والمجتمعية في الداخل والخارج لمتابعة قيادة الجهود الشعبية والعربية والدولية للضغط لإجراء الانتخابات الفلسطينية الشاملة وانتخاب مجلس وطني يمثل 14 مليون فلسطيني في الداخل والخارج بما يضمن إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية.
وأكد المؤتمر على دعم جهود الجزائر في إجراء انتخابات للمجلس الوطني خلال عام وفقاً لإعلان الجزائر.
وتضمن المؤتمر كلمات لشخصيات فلسطينية في غزة والضفة والداخل المحتل والشتات ومشاركات وإقرار وثيقة المهام السياسية، إلى جانب انتخاب هيئة توجيه وطني مشكلة من 81 عضو لمتابعة قيادة الجهود الشعبية والعربية والدولية للضغط لإجراء الانتخابات الشاملة وانتخاب مجلس وطني يمثل 14 مليون فلسطيني.
وقائع المؤتمر
دعا أنيس القاسم أحد مؤسسي المؤتمر ورئيس المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج إلى ضرورة اجراء انتخابات لمجلس وطني فلسطيني ينتخبه جميع أبناء الشعب الفلسطيني، سواء بالداخل أو الخارج وفي كل مواقع تواجده. وأضاف: “نبادر اليوم باتخاذ الخطوة الجريئة لنتحدى فيها كافة القوى المضادة التي تحول دون تمكين شعبنا من إعادة بناء وطنه المعنوي منظمة التحرير”.
بدوره، قال د.صلاح عبد العاطي في كلمة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي: “نقف اليوم أمام محطة فاصلة في عمر نضالنا الوطني مدركين كافة الابعاد الوطنية والإقليمية والدولية لصراعنا ضد الاحتلال الصهيوني والقوى الاستعمارية والإمبريالية التي سعت وعملت لإقامة هذا الكيان الصهيوني العنصري، التوسعي، الإجلائي والإحلالي في بلادنا كما ندين منع السلطة لعقد المؤتمر الشعبي في الضفة واحتجاز الزميل عمر عساف”.
وتابع قائلاً:” إن الطريق إلى إنهاء التفرد والانقسام، واستعادة الوحدة يتطلب إعادة بناء كل مؤسسات النظام السياسي وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية على أسس الديمقراطية وبشكل عاجل وعبر الانتخابات الشاملة وهذا الطريق واضح كل الوضوح لكل من يريد أن يكون مخلصاً وصادقاً مع هذا الشعب ووحدته الكونية”.
من جهته، قال ممثل رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، إن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى تعزيز وحدته وانهاء الانقسام وإعادة ترميم بيت الشعب الفلسطيني، واحترام إرادته، مؤكدا أنّ النظام الأساسي للمنظمة والقانون الأساسي كفيل بترتيب البيت الفلسطيني، “لكن السؤال لماذا لا يحترم هذا النظام”.
من جانبه، قال عمر عساف رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر في كلمة كان قد سجلها تحسبا لاعتقاله وهو ما حدث بالفعل: “عزمنا على عقد المؤتمر شاء من شاء وأبى من أبى، ونقول باسم زملائنا في اللجنة التحضيرية، إن دماء شهداء شعبنا على امتداد الوطن، شقّت طريق الحرية وتحرير الأرض، فلها كل التحية والوفاء”. وأضاف أنّ “رسالة الشهداء والأسرى هي رسالة المؤتمر وأجندتهم هي أجندتنا داخلية كانت أم خارجية”. وأكدّ أن المشروع يقوم على وحدة الشعب والتمسك بالمنظمة ممثلا شرعيا وحيدا لشعبنا، والعمل لاستعادتها وتحريرها ممن حاول ولا يزال توظيفها لصالح تمرير مشاريع تصفوية، وعلى رأسها أوسلو التي زيّفت إرادة شعبنا الفلسطيني”.
وفي السياق، أكدت نفين أبو رحمون ممثلة المؤتمر من الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام 1948 أن المؤتمر يسعى لإعادة الأمل للشعب الفلسطيني وتثبيت نضال الشعب الفلسطيني من أجل مستقبل حر، داعية إلى اعتماد استراتيجية تحقق للشعب الفلسطيني متطلباته بعيدا عن الانقسام الموجود.
وفي كلمة الأسرى، قرئت مسجلة من أحد الأسرى دعا فيها إلى إنهاء حالة الانقسام السياسي وبناء برنامج وطني وتشكيل مجلس وطني فلسطيني وتصويب البوصلة الفلسطينية والعمل على إيجاد رؤية فلسطينية.
وشدد جادالله صفا، ممثل الجالية الفلسطينية في البرازيل، في كلمته على ضرورة عدم حرمان الجاليات في البرازيل من المشاركة في انتخابات منظمة التحرير حتى على مستوى المجلس الإداري، منددا بمنع المؤتمر الشعبي في الضفة، وقال “شعبنا في الضفة وغزة والشتات قادر على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومن حق شعبنا اختيار من يمثله في المنظمة والتمسك بحقنا الفلسطيني”.
وطالبت نداء يوسف من إيرلندا بضرورة تعزيز دور الشباب المركزي في صراعنا مع الاحتلال، مبينة أن المرأة الفلسطينية كانت ولا زالت خزان الثورة و”علينا إعلاء دورها وتعزيز التواصل مع الشباب وإعطاؤهم فرصة القيادة وحمايتهم من خلال الدعم الحقوقي والقانون”.
ووقف المؤتمر أمام حال منظمة التحرير الفلسطينية، الوطن المعنوي للفلسطينيين ومظلة نضالهم وأهم مؤسساتهم، وتساءل المؤتمرون عن الكيفية التي يتشكل بها المجلس الوطني الفلسطيني حالياً، المناط به انتخاب القيادة الفلسطينية ووضع الاستراتيجية الكفيلة بالحفاظ على القضية الفلسطينية والدفع بنضال الفلسطينيين قدماً نحو التحرير والعودة والاستقلال.
وبينوا أن المجلس الوطني بات عرضة للتلاعب بعضويته بما يفضي إلى غياب دوره في المحاسبة والرقابة ومصداقيته في اختيار قيادة فلسطينية صادقة وصاحبة عزيمة، فضلاً عن عدم احترام ولايته الزمنية ولا انتظام اجتماعاته كما رحّلت صلاحياته بجرة قلم أو بدونها إلى المجلس المركزي بلا أسس شرعية، مضيفين أن المجلسٌ المركزي لا يعلم الشعب كيف يتم اعتماد عضويته ولا تُحترم حتى قراراته، وأصبحت الانتخابات في كل المؤسسات السياسية والشعبية مفقودة أو معطلة بحسب ما تقتضيه مصالح قيادة السلطة السياسية والمادية وبما لا يخرّب تفاهمات ولا يزعج (إسرائيل) والولايات المتحدة والرعاة العرب”.
وأكد المؤتمر أن الذي يجري على مستوى القيادة الفلسطينية لا يمثل طموحات الشعب الفلسطيني، ولا يليق بالشعب المقاوم، الذي يتصدى بصلابة أسطورية للاحتلال وتهويد القدس والاستيطان والعنصرية ويواجه أعتى الهجمات التي يشنها عليها يمين الصهيونية ويسارها، وهو في حالةٍ قصوى من الاستنفار، يقدم الشهداء والجرحى ويجترح البطولات في معارك غير متكافئة مترفعأ عن المرارة التي يكابدها في المهجر أو الأسر أو أمام هدم البيوت ويعاني أشكال الاضطهاد العنصري.
وشدد المؤتمرون على آنه آن الأوان أن يتغّير حال قيادة الشعب الفلسطيني، وأن تُستعاد منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها النضالية الجامعة الديمقراطية، داعين قوى الشعب والفصائل الفلسطينية وفي مقدمتهم مناضلي (حركة فتح) لوضع حد للترهل والفساد والانقسامات، وأن تبدأ في معالجة جادة وصادقة لواقع الحال، وأن تستجيب بصدق لمطالبة ( الجزائر) بإصلاح المؤسسات الفلسطينية عبر اجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية والإسراع في الاتفاق على استراتيجية نضالية وبرنامج وطني.
وفي ختام مداولاته، شكل المؤتمر هيئة توجيه وطني من الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني وأماكن اللجوء والشتات وكلفها بالعمل الدؤوب وتعظيم الجهود لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيداً للشعب الفلسطيني وحاضناً اميناً على المشروع الوطني الفلسطيني المستند الى الميثاق الوطني الفلسطيني لسنة 1968.
وأكد المؤتمرعلى ضرورة إعادة بناء وتطوير وتفعيل منظمة التحرير لتستعيد دورها القيادي في النضال الوطني من أجل إنقاذ المشروع الوطني التحرري، وذلك من خلال توحيد القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية وبإشراك كافة القوى السياسية الفاعلة عبر إجراء انتخابات للمجلس الوطني بموجب مواد الميثاق الوطني الفلسطيني والذي يقوم بدوره بتشكيل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي.
ودعا لعقد فعاليات وطنية وشعبية لإذكاء الحالة الوطنية التحررية في فلسطين والشتات وخلق كتلة شعبية ضاغطة للدفع باتجاه تغيير واقع القيادة الفلسطينية نهجاً وشكلاً لتكون قائدة لكفاحه قبل ان تكون ممثلة سياسية له، مطالباً بالعمل على أن يشكل أعضاء المجلس الوطني المنتخبون في الضفة وغزة مجلسا يتولى مهمة الرقابة والتشريع في المنطقتين، بعد تغيير وظائف السلطة لتغدو خادمة للمشروع الوطني، ونقل الوظيفة السياسية للمنظمة وتنبثق عنه هيئة لإدارة شؤونهم اليومية وتقديم الخدمات اللازمة لحياة المواطنين وامنهم خارج اطر اوسلو ودون اشتراطات او موافقة الاحتلال، وتعمل على دعم صمودهم. كما طالب بتأمين الدعم الواجب للانتفاضة الجارية والمتواصلة، وبضرورة الدعوة إلى المشاركة بها في الداخل وإسنادها من الخارج بكل السبل فلسطينياً وعربياً وعالمياً، إضافة لرفع الجهود لدعم صمود غزة وكسر الحصار الظالم عليها، باعتبار ذلك “مسؤولية فردية وجماعية، ليست فلسطينيةٌ وحسب بل عربية أيضاً وينبغي أن تكون وتبقى كذلك”. وختم المؤتمر برفع المشاركين الأعلام الفلسطينية على وقع نشيد “موطني موطني”.